ابراهيم البطوط
" ثم تلتقي بشخص ينظر في عينيك مباشرة "
اجري الحوار : ياسمين الرشيدي
المصور : ايمن ابراهيم
بمجرد ان وجهت الولايات المتحدة اولي ضرباتها العسكرية للعراق في مقدمة هذا العام فان مشاهدي التليفزيون في جميع ارجاء العالم كانوا يتابعون بنهم صور بغداد وصور الجنود الامريكيين وهم يعصفون بمدينة وقع سكانها مرة اخري رهائن في يد الانقسامات والمجهول .
ان حرب التسع عشر يوما كانت اقصر من المتوقع فلقد سقطت بغداد في التاسع من ابريل .
كان الاهتمام في البداية شديدا حيث بدا ان جميع المشاهدين يترقبون ويشاهدون ولكن بمجرد ان هوي تمثال صدام حسين فان هذا الاهتمام اليومي الصامد بدا يخبو بالتدريج ومثل العديد من الحروب في العقدين الاخيرين فاننا نجد ان الموقف الرسمي للحرب انها انتهت في حين انها قد بدات للتو والفوضي السياسية بدات تعم بشكل غير منطقي في مثل هذه الحالة والتي ليست بالنادرة – فان الاضطرابات سوف تدوم لأعوام قادمة . بينما تجاوز معظم الناس الموقف واصبحوا يمسحون عناوين الاخبار باعينهم بانفصال مكتسب فبالنسبة للقليلين الوضع بدا يتفاقم .
" انك تصبح مرتبطا بالموقف وعاطفيا فيما يصبح الموقف جزء منك "
هكذا يقول ابراهيم البطوط " فبعد ستة عشر عاما واثني عشر حرب تستطيع ان تقول لنفسك انك تمضي قدما بموقف محايد ولكنك تقابل شخصا ينظر الي عينيك مباشرة وقد يقول كلمات قليلة او لا يقول شيئا علي الاطلاق في مثل تلك اللحظة فانك تعود الي قلب الموقف ولا يعود للحياد وجود .
يتوقف البطوط قليلا ويتحرك بكرسيه ويدير راسه بعيدا
يكمل كلامه قائلا " تلك النظرة ...... هي نفس النظرة التي نظرت بها الي امراة صومالية جائعة حين وقفت امامها اصورها . تلك النظرة في عينيها كانت صعبة علي الفهم او التفسير . اكانت تستغيث ؟ ام كانت تغادر جسدها بسلام ؟ اكانت تعسة ام فرحة ؟ ام كانت تبعث لي برسالة ؟ تلك النظرة رأيتها في العراق و في افغانستان وفلسطين وفي رواندا والبوسنة وكوسوفو .
تلك النظرة هي كنه الحرب .
ابراهيم البطوط مصور مستقل يعمل لصالح التليفزيون الالماني وهو واحد من ثلاث مرشحين لجائزة سوني الدولية للتأثير – وهي فئة من الجوائز تمنح لتكريم المصورون والمصورات الذين يصورون افلاما عن المحن العظمي والتي تظهر صورا انسانية تغير وجهة نظر الافراد وتلهمهم وتدفعهم لعمل شيء في مواجهة هذه المحنة .
لقد ترشح البطوط عن فيلمه الوثائقي " المقابر الجماعية في العراق " والتي لم تكن الاولي التي يراها .
" لقد غطيت اثنتي عشر حربا خلال ستة عشر عاما انعكست علي حياتي في شكل سيناريو فيلم كتبته لقد كان علي ان اتعرف اكثر علي نفسي وان افهم لماذا اخترت هذا المسار في الحياه والذي يبدو متسقا جدا مع نشاتي " هكذا يتكلم البطوطي ذاكرا درجاته في الفيزياء والهندسة الكهربية وولعه المبكر بركوب الدراجات الهوائية .
يقول البطوط " لقد ولدت في بورسعيد سنة 1963 وفي عام 1967 اصبحنا لاجئيين انني اتذكر صورة والدي وهما يحزمان امتعتنا ونحن راحلين الي القاهرة لقد كانت الحرب دائما حدثا في حياتي كطفل وذلك لان والدي لم يسمح لي باخذ دراجتي الي القاهرة لقد كنت طفلا في الرابعة وكانت دراجتي هي عالمي ولقد سلبتني الحرب هذا العالم هكذا مستني الحرب "
بعد عدة سنوات سيفقد البطوط دراجة اخري
يتذكر البطوط " لقد كنت معتادا ان العب في المنتخب القومي للدراجات الهوائية ولكن بنظام حياة مثل حياتي فان اي شيء اخر سيجنب . لقد كانت الدراجة هي اول شيء يصبح جزءا من جسدي وامتدادا له الكاميرا كانت الشيء الثاني " عندما اصور فان رؤيتي للعالم تختلف ..... اري الاشياء بشكل مختلف ...... احس بالاشياء بشكل مختلف
لقد كان فقدانه لدراجته الثانيه مفاجئا مثل الدراجة الاولي يقول ابراهيم البطوط عن دخوله المجال " عندما تخرجت عرضت علي وظيفتان الاولي في الدي اتش ال DHL مقابل الف جنيه في الشهر – وهو رقم اعجز في وقتها عن تصوره – والثانيه في فيديو القاهرة VIDEO CAIRO مقابل 250 شهريا للعمل كفني بالطبع اخترت العرض الاول ولكن في فيديو القاهرة اقنعوني ان اجرب الوظيفة لمدة اسبوع لحين بدء عملي في DHL .
يقول " لقد كان حب من النظرة الاولي لحظة ان رأيت الكاميرا لقد عرفت ذلك كان ذلك في سنة 1987 لحظة التحول جاءت لاحقا لقد امضي البطوط ساعات بعد العمل يلعب بالادوات " لقد اخذ مني الامر عاما كاملا لأصبح مصورا كنت خلالها أعلم نفسي وأتعلم من الناس " .
" جاءت نقطة التحول في الثالث عشر من اغسطس ( آب ) في سنة 1988 حين تلقي فيديو كايرو مكالمة هاتفية تفيد ان هناك هجمة بوليسية علي عين شمس في منطقة تعرف ان فيها كثير من الاصوليين الاسلاميين " .
لقد اعطوه كاميرا وارسلوه الي هناك .
يقول البطوط " كانت الفوضي تعم المكان بشر ورجال شرطة في كل مكان عندما رأني الناس ممسكا بالكاميرا بداوا يتوجهون الي وهم ممسكين بالقنابل اليدوية في ايديهم قائلين لي أنه تمت صناعتها في الولايات المتحدة وأن الشرطة تستخدمها ضدهم " لقد كان الاضطراب العارم هو نتيجة هجوم الشرطة علي مسجد آدم وهو المكان المزعوم للقاء المتطرفين . في خضم هذا الإضطراب إستغرق البطوط تماما في تفاصيل النزاع .
يقول البطوط " لقد احسست بتاثير الكاميرا علي الناس انها تمثل لهم الخلاص شخص ما يستطيع ان ينقل احاسيسهم إلي الآخرين لقد كنت مأخوذا تماما بوجودي هناك وفجاة بدأت الصرخات تتعالي وعندما أدرت وجهي بإتجاه الصوت وجدت حشودا كبيرة متوجهة ناحيتي لقد كانوا آتين الي ذلك الاتجاه " مادا يده ومشيرا الي نفسه " وأنا توجهت مباشرة إليهم " .
يبدوا البطوط شديد الحماس خلال وصفه فيده تتموضع بشكل اوتوماتيكي كما لو أنها تحمل كاميرا إنه يقرب يده ويحركها تجاهي وبعد ذلك تسقط .
" لقد رأيت سيارة شرطة وسط الحشد أتية مباشرة بإتجاهي ثم رفع ضابط بندقيته تجاهي .... سمعت طلقة ثم شعرت بيدي وهي تسقط " لقد اخترقت الرصاصة ذراعي من ناحيه ثم خرجت من ناحية اخري تاركة ندبة يصل طولها الي 15 سم " حملت الكاميرا بيدي الأخري وهربت " .
لقد أستقبل البطوط في بيت من المنطقة أثناء بحثه عن مخبأ .
" الناس في هذه المنطقة يعيشون علي خط الفقر وربما تحته ولكن عندما راوني استقبلوني في بيتهم واسعفوني بينما كانوا يعيدون لي الليموناده سمعتهم يتحدثون بقلق عن عدم وجود سكر لديهم وقال الرجل لزوجته " لا تتحدثي في هذا الموضوع وإذهبي الي الجيران وخذي بعض السكر " منذ هذه اللحظة شعرت ان هناك رابطا يربطني بالناس لقد نظروا الي بشكل مختلف بسبب الكاميرا . هذه اللحظة حددت مستقبلي " المستقبل الذي فعل الكثير بجانب نصيبه العادل من الحروب .
يقول البطوط " لقد بدأت بالحرب العراقيه – الايرانية وبالرغم من انني كنت في الصفوف الامامية فاني لم أر الكثير من القتال احتكاكي الحقيقي بالحرب كان في لبنان حين سافرت مع برنت ساندلر من شبكة ITN الي بيروت . كنا نسكن في الجوينة في بيروت الشرقية لقد كان الوضع قاسيا حقا بين القصف والدمار وإخلاء المستشفيات من المرضي ........ أما عن البوسنة فقد كانت واحدة من أخطر التجارب أن المرة الثانيه التي أصبت فيها كانت هناك ان البقاء علي قيد الحياة كان دائما بمثابة معجزة . وفي أفغانستان تم إطلاق النار علي سيارتنا مرات عديدة واحدة من هذه الطلقات اخترقت قبعة المترجم الفوري " .
" في سريلانكا كنا مع الجيش عندما هاجم جافنا بنسولا وبعدها كنا مع نمور تاميل . ان كل حرب لها خصوصيتها ففي حرب مثل هذه كنا فقط نسمع " ويقلد البطوط أصوات المدافع الرشاشة " ولا نري شيئا وذلك لأن الغابات هناك كثيفة جدا " .
مع تركه العمل في فيديو القاهرة سنة 1991 وإنتقاله الي قبرص ليصبح شريكا للمراسل المستقل توني بورتلي فان العمل اقتضي مستوي آخر من الصرامة .
يتحدث البطوط عن عمله المستقل قائلا " ان عليك ان تسافر وحدك وعليك أن تجهز لكل شيء وليس لديك أي دعم مادي كل ذلك وعليك ان تكون في المقدمه لتفوز بالسبق . في سريلانكا بعنا أعمالنا للقناة الرابعة وفي الصومال لقناة ABC وفي افغانستان لقناتي INT و ABC .
بإنتقالهم من حرب الي اخري كانت أعمال البطوط وبورتلي مطلوبة بشدة .
يتحدث البطوط عن نجاح صوره وزيادة الطلب عليها قائلا " لقد تصادف أن كنا في المكان المناسب في الوقت المناسب وبالطبع فإن وكالات الانباء تفضل إستخدام المراسلين والمصورين المستقلين لأنهم في حال موتهم سيكون ذلك أقل إشكاليه بالنسبة لوكالات الانباء " .
في البوسنة كانت حقيقة الموت ماثلة في كل لحظة من لحظات البطوط هناك .
يقول البطوط عن هذه الحرب " لقد كانت واحدة من اكثر الحروب غرابة وشراسة فلأول مرة كان الفرق بين الخير والشر بهذا الوضوح والتمايز لقد كان جليا من هو الجاني ومن هو المجني عليه فيما وقف العالم يشاهد ذلك دون ان يحرك ساكنا " .
يبدو البطوط واجما وهو جالس علي كرسي المخرج المصنوع من القطيفة في مكتبة منزل احد اصدقائه وهو المكان الذي اختاره لعمل المقابلة .
" لقد لمسنا بؤس الحرب الحقيقي في البوسنة نصحوعلي صوت قذف الفندق الذي نحن فيه لنجد الشخص الذي بجانبنا قد قتل الكثير والكثير من النساء اغتصبن امام أطفالهن ومشاهد لأباء يضعون ابناءهم في حافلات لسرافيو مودعين إياهم وهم لا يعلمون متي أو حتي إن كانوا قد يرونهم ثانية أبدا .
تغيرت أجواء الغرفة فيما أدار البطوط وجهه وحدق في النافذة .
أكمل البطوط " لقد أراد توني أن يعود إلي بلاده ولكني اردت أن أبقي لقد إرتبطت بهؤلاء الناس مهنيا وعاطفيا . إشتريت كاميرا وأصبحت مستقلا بكل ما في الكلمة في المعني .
إن أعمال البطوط مع التليفزيون الالماني ZDF ابقته مشغولا يقول البطوط " هذه الحروب أرهقت روحي حقا لقد سارت حياتي الشخصية بالتوازي مع حياتي المهنية لقد تزوجت عام 1989 وانجبت ولدا سنة 1990 . بالرغم من أن زوجتي كانت سندا قويا لي في كل ما كنت أفعله لكن كل حرب كانت تصيبني بالجنون أكثر من سابقتها . كانت كل حرب تترك في نفسي جرحا وكانت هذه الجروح تتراكم . في البداية كنت شابا ...... متهورا ومندفعا وكان نمط الحياة الذي أعيشه لا يضاهي بأي حياة اخري . لكن الحروب تغير البشر لقد كنت أعود من كل حرب وأحاول ان أتاقلم مع الناس ولكن عندما أجلس برفقتهم أجدهم يتذمرون من رؤسائهم في العمل – سياراتهم – علاقاتهم .
لم أعد قادرا علي النظر للأمور من وجهة نظرهم إنني أنظر للأمور من زاوية مختلفة تماما هناك بشر في الصومال يموتون جوعا وأمهات في البوسنة لن يرين ابنائهن أبدا هنا بشر لن تفهم أبدا معني نظرات عيونهم لأننا لن نشعر أبدا بما أحسوا به ولن نختبر أبدا ما عانوه " .
وقفة طويلة أخري يأخذ خلالها البطوط نفسه ثم يكمل " يمكن أن نصور ما نري " ويحرك يده أمامه مشيراً إلي السطح " أستطيع مثلاً أن أصورك تكتبين أي إنسان يستطيع ولكن من يستطيع أن يلتقط روحك وأنت تكتبين ؟ إن من يفعل ذلك عليه أن يشعر من أنت حقا عليه أن ينشيء رابطة بينه وبينك " إن ثمن هذه الرابطة غال : يقول البطوط " كل شخصية صورتها أصبحت جزءًا من روحي أن أحمل جراحهم في داخلي لأني لا أستطيع أن أنسي ما رأيت ولكن لا حيلة لي لأنك إذا أردت حقاً أن تحكي قصة شخص ما ...... فإن عليك أن تقترب منه بما يكفي " .
لقد كانت رؤيته هذه هي السبب في بقائه هناك حينما كان الصحفيون الأخرون يغادرون..
" لقد عدت إلي زوجتي في عام 1991 وأخبرتها إنني سأسافر إلي البوسنة وسأظل هناك طالما إستلزمني الأمر أن أبقي، لقد تركت عائلتي، أصبت بطلق ناري عام 1993 .
ولأنى كنت مستعدا ، كان لزاما على أن أعمل جاهدا لكى أتعافى وأستعيد قوتى وأبدا على من جديد لكى أرسل نقوداً إلى عائلتى لقد كان على ذلك مجهدا ، ومستهلكا للوقت بعد ثلاث سنوات رجعت إلى عائلتى جاءت زوجتى وإبنى لإستقبالى فى المطار أعطيت عكازي لزوجتى ، فلقد فقدت قدميها بسبب مرض السكر وكان طلبها الوحيد ان أزرها كل عام يقول ذلك وهو يفكر...... يصمت طويلا ثم يواصل بصوت أقرب للهمس بحلول عام 1997 كانت قد فقدت قدميها الإثنين من أسفل الركبة. لقد رأيت الموت وشممته بكل أشكاله، أجساد متحلله، وأخرى متعفنة، وأجساد لها رائحة الموت الطازج ،ولقد سمعت الموت فى أصوات الناس، والقصف، والقنابل، لكن لم أرا وأشعر أن أحدا عانى بقدر زوجتى، لقد حاربت بقدر ما أستطاعت وظلت صبورة وصامدة حتى آخر نفس ولقد بقيت معها حتى النهاية. لقد كانت لحظة سوداء، لقد شعرت أن ما رأيته فى حياتى المهنية كان على أن أعيشة مرة أخرى فى حياتى الشخصية ومرة أخرى كان على أن اكون قوياً وصامداً وممتا سكاً.
"إن إولئك البشرالذين يمرون بتجارب موجعه، فإنهم يتعرفون إلى بعضهم عندما يتقابلون، لذا فلقد حظيت دائما بالقبول، هناك نوع ما من التواصل الإنسانى لا يحتاج إلى كلمات، إنه لغة غير منطوقة "
" صور القتل قد صورت بحساسية شديدة، فالمصور لم يتدخل كان مجرد مشاهدا هذا ما كتبه أحد الأشخاص عن فيلم البطوط الوثائقى المرشح للجائزة بينما كتب اخر " إن اللطف الانسانى الذى صور به البطوط الفيلم إخترقنا تمام"
يقول البطوط " من السهل أن تقول أنى سأكون محايداً ولكنك ترى إنسانا ينظرإليك مباشرة فى عينيك ويقول بضع كلمات وهذا هو كل شئ، تجد نفسك تورطت عاطفيا دون إرادة منك ونفس الشخص الذى تراه فى رواندا هو الذى تراه فى زائير هو الذى تراه فى فلسطين . كل هذا له ضريبته، فلقد أصبح مكانى فى المجتمع" يتوقف قليلاً ثم يقول " إنى غير متأقلم ،أعيش هذا صحيح ولكنى تعبت من إجتياز يوم بيومة، تعبت من مقابلة الناس ومن فهم مواقفهم ومن حقيقة أننا نسلك طرقا مختلفة لنتعلم، وأن كل شئ نسبي. إننى الى الآن أحس إنى دخيل والناس لا يعرفون ما يعتمل بداخلى ما أقوله لك الآن هو كواليسي الداخلية ان عزائى الوحيد هو الفن والآن هو الوقت المناسب للتعامل مع الجرح. يقول البطوط " أشعرأن حياتى مثل الغسالة الكهربائية" يضحك
" فهى أحيانا فى دورة التجفيف، وأحيانا فى دورة الغسل، إنى أتمنى أن أعرف كيف أوقفها عن الدوران" .
" لقد علمتنى الحرب وغيرت مفهومى عن الحياة، وجلعتنى أستنتج أن مفتاح الحياة على الارض هو معرفة أنفسنا والثقة بها وأن نتوصل إلى الإنسان والتناغم مع أنفسنا. إننا دائما نقرر أن نسافر فى حياتنا ونعتقد أننا نحتاج للسفر بعيداً ولكن الرحلة دائما ما تأخدنا فى دوائر لتنتهى بنا فى المكان الذى بدأنا منه ، وقد نعتقد أننا أضعنا وقتنا لنصل إلى المكان الذى كنا فيه أصلاً، ولكننا إذا فكرنا بعمق سنكشف أن هذا هو السبيل الوحيد لنتعلم الدرس" لقد بدات رحلة البطوط الدائرية فى العراق منذ خمسة عشر سنة ويبدو أنها شارفت على الانتهاء .
"إننى أشعر أنى أكمل دائراتى، إننى لم أستطع أن أفهم حرب العراق 2003 إلى هذا اليوم، لقد كانت مثل إعصار صدمنى، إن آليات كيف ولماذا والأسباب السياسية لم تذل عصية على الفهم بالنسبة لى حتى وقتنا هذا. إنها لم تستقر بعد فى ذهنى، وربما سأستطيع فهما يوماً ما .
ولكن ما يفهمه البطوط من هذه الحرب هو بالتأكيد أثرها على حياة الناس " لقد كنا فى الرابع من ابريل فى مدينة صفوان العراقية والتى تحررت من وجهة نظر الامريكيين أما بالنسبة لنا احتلت. كان الطعام يوزع عندما أقتربت من شاب لأساله عن شعورة ،فنظرا إلى وقال لقد كنا دائما نعيش فى رعب دائم لمدة 35 عام وحتى لو رأينا بأم أعيننا أن صدام قتل سنظل نخافه فى قلوبنا ،لقد كان خوفهم أصيلاً جدا وحقيقياً جدا وسوف يعيشون مع هذا الخوف طوال حياتهم .
لقد كان فيلمه عن المقابر الجماعية هو نتاج عمل عدة أشهر وسط الناس.
يقول البطوط " لقد أتخذ الألمان نفس موقف الفرنسين بالنسبة للحرب لم يكونوا سعداء بالغزو الامريكى للعراق، لقد كانوا دائما . ضد الحرب وضد امريكا، ولكنهم قرروا أنه الوقت المناسب لإظهار حقيقة ما يحدث فى ظل هذا النظام "
خلال الأيام الأخيرة شهد البطوط موت مصور رويترز مازن على يد القوات الأمريكية .
يقول البطوط " لقد كان اليوم الاخير فى العمل، رأى مازن القوات الامريكية تقترب فأخرج الكاميرا ليصور وبعد ذلك سمعنا طلقات الرصاص، لم يعرفوا أنه كان يخرج الكاميرا، حقا لم يعرفوا" يصبح الصمت فى الغرفة مقلقا
يجهش بالبكاء قائلا " لقد كان عائدا الى وطنه، أعتقد أن الدرس الذى أستخلصته من كل هذا هو أن أثق فى نفسى وفى إرادة الله ثقة تامة وغير مشروطة، وإذا ما حدث فى وقت ما أننى لم أفهم شيئا، فسيأتى الوقت الذى سأفهم فيه، لكن أتعلمين شيئا عندما تكونين حيث كنت، تتعلمين كيف تقدرين حقيقة أنك تجلسين مع شخص ما و تتحدثين. إننى معك الآن بفضل الله لقد كان من المفترض أن أكون ميتاً منذ وقت طويل .
بينما ينتظر ما يتوقع أن يكون زيارته الأخيرة للعراق ،فإن البطوط يتأمل الستة عشر عاما الماضية من حياته . .
" إن الدائرة تكتمل"يقول البطوط ذلك فيما يتجلى إيقاعه المتفائل فى إبتسامته ووهج سيجارته والزخم المندفع من جسده " ربما ستكف حياتى عن الدوران "
ثم تلتقي بشخص ينظر في عينيك مباشرة